الأخوة الأفاضل المحترمين
سلام الله عليكم ورحمته ُ وبركاتة
من السهل على الإنسان أن يجد الأعذار ليبرر تقاعسه ولربما فشله ولربما
انحرافه ولربما عقوقه و ... ، ولعل أسهل الطرق وأقصرها بل وأقساها تتمثل
بِلَوم الآباء ونعتهم بالقصور ولربما الإهمال ، فيعقدوا أي الأبناء محكمة الآباء
ليكونوا هم القضاة والحكَم فيها .
ويا لسخرية القدر ! أصبح الأبناء يعيبون على الآباء فقرَهم ، وتدنّي مستواهم
العلمي ، ونسوا أن آباءهم رَغم أميّتهم أخذوا بأيديهم ودفعوهم دَفعاً نحو العِلم .
ورغم شظف العيش وقسوته أوصلوهم إلى أعلى الدرجات العلمية إذ لمَسوا فيهم
الجد والإجتهاد ، فكانت دوماً أحلامهم تبدأ وتنتهي عند أبنائهم .
وكثيرون حازوا على درجات عُليا من العلم وأصبحوا ذوي شأن ، فانفصلوا عن
بيئتهم الإجتماعية التي في أغلب الأحيان تمثّل قسوة الحياة ، بل الماضي بكل
صوره من جهل ربما ، وربما فقر ، ولم يعد هذا الوسط يلائم مستواه الإجتماعي
والثقافي الجديدين .
في واقع الأمر لا يعيب المرء أن يرتقي بمستواه العلمي والثقافي والإقتصادي ، ولكن
ما يعيب أن يتنكر لأصله وجذوره . ولعله من دواعي الفضل والإحسان أن يمد الأبناء
أيديهم لتلك الجذور التي كان لها أطيب الأثر في صنع حاضرهم ويرتقوا بآبائهم إلى ذات
المستوى الذي بلَغوه ، فكيف يستطيع الأبناء أن ينعموا بالنعيم وآباؤهم بعانون شظف
العيش ؟! إنها لَعَمري أعلى درجات العقوق !
ولا يتوقف لوم الأبناء للآباء سواء كان حظهم من الدنيا قليلاً أو كان حظهم منها كبيرا .
فمَن شبّ في أسرة مُترَفة وضلّت خُطاه يجد نفسه في نهاية المطاف يلوم أبويه على ذلك .
نعم انصرف الآباء عن متاابعة الأبناء وعن دورهم التربوي والموجّه والناصح ، وانغمسوا
في جمع المال ومضاعفة الأرباح وهمّهم أن يورّثوا أبناءهم أسماً لامعاً ومركزاً مرموقاً
بين الأُسَر .
ويَزِلُّ الأبناء المترفون الخُطا حين غابت رقابة الأهل ، فيقع البعض في الرذيلة ، وآخرون
يدمنون المخدرات ، ذاك السرطان الذي يغزو عقولهم ويهديهم الموت مُغلّفاً بورق سوليفان .
ولكن يبقى الآباء بشر ، لربما أخطؤوا الوسيلة والقياس حين التفَتوا للحفاظ على الإرث المادي
وازدهار تجارتهم وارتفاع أسهمها ، ظانين كل الظن أنهم هكذا يسعدوا أبناءهم ويساعدوهم
على النجاح والتميّز والإبداع ، فللمال والثروة سحر ذو حدّين في نفس الإنسان ، إما
أن يُسعد وإما أن يُشقي ، كُلٌّ حسب تربيته وثقافته .
ولكن السؤال الذي يطرح نفسه :
مَن يُقاسي ويتجرّع مرارة الحزن والألم وحتى الندم
حين يقع المصاب ويفتك بالأبناء ، أليس الآباء ؟!
فلا يقهر الآباء ويشقيهم سوى الأبناء
ولا يفرحهم سواهم .
ويبقى السؤال من الجاني
أهم الآباء أم الأبناء ؟
أم تراه الحب بلا حساب ؟
أم تراها تلك الفجوة بين الأجيال ؟
أم تراه الحب أخطأ العنوان وانحرف عن المسار ؟
؛
؛
؛
تحياتي